"كرات طويلة، استهداف الجهة اليسرى وخماسي دفاعي - كيف فاز تشيلسي بنهائي دوري الأبطال"
في النهاية سارت المباراة تمامًا كما تمنى توخيل
منذ تعيينه في تشيلسي، كانت هذه خطته في المباريات الكبيرة: نعم يتطلع للسيطرة والاستحواذ لكن جزءًا كبيرًا من أهدافهم ينتج من التحولات. يهاجمون بسرعة خلف دفاع الخصم ثم يكتفون بالحفاظ على النتيجة بدفاع متأخر قديم الطراز في منطقة الجزاء.
كانت المفاجأة الوحيدة هي أن تشيلسي وجد الأمر سهلًا للغاية، إذ سجل مانشستر سيتي أقل رقمٍ من الأهداف المتوقعة (xG) للفريق طوال الموسم، بينما اختار توخيل تشكيلته الأساسية المتوقعة، أحدث غوارديولا مفاجأة كبيرة في تشكيلته. فأشرك ستيرلينج على اليسار ونقل فودين للعمق وغوندوغان للمحور.
كانت هذه هي المرة الثانية فقط طوال الموسم التي يبدأ فيها بيب مباراة بدون لاعب واحد على الأقل من لاعبي الارتكاز، فرناندينيو ورودري.
هل كانت هذه حالة كلاسيكية لإفراط بيب في التفكير (overthinking)؟ ربما، لكن الأمر يستحق أن نأخذ ثانية لدراسة المنطق المحتمل لتفكير غوارديولا.
فنجد أن فرناندينيو كان قد عانى أمام ماونت في نصف نهائي كأس الاتحاد حيث كان يتم سحبه باستمرار نحو خط التماس والتفوق عليه. بينما قدم رودري مباراة مروعة ضد نفس الخصم الموسم الماضي -ربما أسوأ مباراة له بقميص السيتي- فكان يُسيء التمركز باستمرار وغير قادر على إيقاف هجمات تشيلسي المرتدة
كما أن كليهما لا يتمتع بتلك الحركية العالية لكن غوارديولا من بين الجميع بعدما لعب في المركز يعرف أنها ليس شرطًا يجب توفره في لاعب الارتكاز. إلا أن تشيلسي لم يستهدف بالضرورة السيتي من تلك المنطقة وإنما بتحويل اللعب للجهة اليسرى، نحو بن تشيلويل، كما فعلوا بنجاح في نصف نهائي الكأس.
كان كل من تشيلويل وريس جيمس ممتازين في الدفاع ليلة أمس، فأحكم تشيلويل رقابته على رياض محرز بينما تمكن جيمس بسرعته من غلق الطريق نحو المرمى أمام ستيرلينج. لكن فيما يتعلق بالتقدم للأمام، كان تشيلويل أكثر تأثيرًا بشكل ملحوظ.
نظام اللعب لعب دوراً حاسماً
فيما يتعلق بأنظمة اللعب، فقد لعب غوارديولا عمليًا بثلاثة مدافعين، دايموند في الوسط وثلاثي أمامي أثناء الاستحواذ، مع تحول زينتشينكو من الظهير الأيسر للعمق لتشكيل النقطة اليسرى من الماسة في الوسط.
بيب استخدم هذا الشكل كثيرا على مر السنين في محاولة لتوسيع الملعب في الأمام مع السيطرة على العمق. إلا أن ذلك يجبر مدافعيه على تغطية مساحة كبيرة من الملعب حين يرتد الخصم من الدفاع للهجوم.
أما تشيلسي فتمسك بشكله المعتاد، حيث أمر توخيل ماونت وهافرتز بالبقاء في مواقع مركزية متقدمة لمنع تمريرات سيتي عبر الوسط عوض التراجع لتشكيل وسط رباعي فكان شكل الفريق 5-2-3 بدون الكرة. في الواقع، بدا شكل تشيلسي أحيانًا وكأنه 5-1-4 مع تقدم أحد لاعبي الارتكاز للضغط على حامل الكرة.
صحيح أن ذلك وضع الفريق أمام مخاطرة ترك مساحة كبيرة بين الخطوط، إلا أن روديغر وأزبيليكويتا كانا عدوانيين، ومستعدين دائمًا للتقدم إلى الأمام ومواجهة اللاعبين على جانبي ماسة السيتي إن استلم أي منهما الكرة.
إلا أن القصة الحقيقية للمباراة تكمن في تمريرات تشيلسي المباشرة للهجوم وبالتحديد نحو الجهة اليسرى. يبدو أن الكرات الطويلة مثلت جزءًا بارزًا بشكل غير عادي من كرة القدم الأوروبية عالية المستوى هذا الموسم - تذكر مثلًا فوز ريال مدريد 3-1 في ذهاب ربع النهائي على ليفربول...
... هذا ربما يرجع لاستمرار الفرق في اللعب بخطوط دفاعية عالية ولكن القيام بذلك في ظل تراجع حدة الضغط وازدياد عدد المدافعين الذين يمكنهم لعب تمريرات طويلة دقيقة للأمام. فرأينا تشيلسي يبدأ المباراة بسحق جون ستونز من خلال الكرات الطويلة.
هنا نرى روديغر يبحث عن إيصال الكرة نحو تيمو فيرنر من خلال تمريرة طويلة مع تمركز ستونز بشكل صحيح عند محاولته لإبعاد الكرة لكن في النهاية انتهت الهجمة بلعب هافرتز لتمريرة عرضية خطيرة نحو فيرنر الذي أساء التعامل مع التسديدة على الرغم من تمركزه في المكان المناسب.
بعد 3 دقائق، موقف مماثل:
تياغو سيلفا يمرر نحو جيمس، مما دفع زينتشينكو للتقدم ودياش للتحرك من قلب الدفاع. ليلعب جيمس تمريرة خلفهم يفقد ستونز توازنه عند محاولة التعامل معها مما سمح لفيرنر بالتقدم. مجددا، لعب تشيلسي عرضية جيدة للخلف، هذه المرة نحو كانتي الذي لم يحسن ترويض الكرة.
إلا أن مفتاح المباراة كان تشيلويل الذي كثيرًا ما عمل الـ overlap أثناء انشغال ووكر بحركة أحد مهاجمي تشيلسي، عادةً ماونت. وهنا مثالان على تحويل هافرتز للكرة نحو تشيلويل الخالي من الرقابة دون أي تواجد لمحرز في الصورة.
الأمر كان يبلغ فعاليته القصوى حين كان تشيلسي يلعب التمريرات الطويلة سريعًا من الدفاع نحو تشيلويل: هنا يلعب تياغو سيلفا تمريرة قطرية طويلة إلا أن اللقطة لم تُفضِ إلى شيء لأن تشيلويل كان متسللًا. لكن أن ترى وينج باك في موقف تسلل كان أمرًا معبرًا عن الفكرة.
فكان هدف تشيلسي تتويجًا لتحركٍ حاولوا تطبيقه ثلاث مرات في الشوط الأول - وهو نفس التحرك الذي استخدموه كثيرًا ضد السيتي الشهر الماضي.
أولًا، تمريرة قطرية طويلة من الدفاع.
هنا، سيلفا يلعب تمريرة فوق رأس محرز إلى تشيلويل مما يجذب ووكر نحوه، تاركًا ماونت حرًا في العمق ...تشيلويل لعب التمريرة من لمسة واحدة نحو ماونت لكن تمريرته كانت على الجناح مما منع ماونت من الدوران ولعب التمريرة البينية. في الوقت ذاته، نرى دفاع السيتي مكشوفًا في العمق ونلاحظ أن زينتشينكو ليس في المكان المناسب لإيقاف تحرك فيرنر في ظهر الدفاع.
قبل دقيقتين من الهدف، تشيلسي يُكرر الأمر ذاته:
هذه المرة، الحارس ميندي هو من يلعب التمريرة فوق رأس محرز نحو تشيلويل مما يجذب ووكر نحوه مرة أخرى قبل أن يلعبها فورًا نحو ماونت. هذه المرة، ستونز قريب من ماونت مما يمنعه من الدوران كما نلحظ أن السيتي في موقف أفضل دفاعيًا في العمق.
تشيلسي حذر السيتي مرتين وفي الثالثة كان الهدف:
مجددًا، ميندي يلعب الكرة فوق رأس محرز نحو تشيلويل، وأنتم تعرفون البقية الآن. هذه المرة، لدى ماونت المساحة. وهذه المرة، زينتشينكو ليس أمام هافرتز. تحرك فيرنر يخرج دياش من اللعبة ويفتح الطريق أمام ماونت للعب التمريرة البينية.
في الواقع، مسار التمرير أمام ماونت كان مفتوحًا جدا وللاعب بإمكانياته، هذه ليست تمريرة يصعب عليه تنفيذها. البراعة لم تكن في دقة التمريرة وإنما في الوقفة قبل إطلاقها ليجهز نفسه وينتظر تواجد هافرتز في المكان الأمثل إيدرسون لم يستطع إيقاف مراوغة هافرتز قبل أن يسجل في الشباك الخالية.
هل كان تواجد لاعب ارتكاز حقيقي سيمنع هذا الهدف؟
ما كان ليتواجد في مركزٍ يمنعه من إيقاف ماونت مباشرة لكن لربما كان سيتواجد في موقعٍ يعترض منه التمريرة البينية نحو هافرتز. لكن هذه مبالغة بعض الشيء وفي الواقع، مشكلة السيتي كانت عدم وجود خطة للتعامل مع التمريرات الطويلة نحو تشيلويل.
نهائيات دوري الأبطال لم تشهد كثيرًا فوز الطرف الأقل حظوظًا وبالأخص خلال السنوات الأخيرة. وحتى حين حدث ذلك -مثل ليفربول 2005 وتشيلسي 2012- كان ذلك مصحوبًا بالدراما، انتصارات غير منطقية وليس انتصارات مقنعة ومستحقة.
على الأرجح منذ فوز بوروسيا دورتموند على يوفنتوس عام 1997، لم نرى الطرف الأقل ترشيحًا للفوز (الـ underdog) يفوز بالنهائي بهذا الشكل المفعم بالثقة. بل في الواقع، هذا كان حال تشيلسي طوال مرحلة خروج المغلوب.
هذا الانتصار بدا مستحيلًا مع بداية العام حين كان الفريق يعاني تحت قيادة فرانك لامبارد إلا أن توخيل نجح في تحويل الفريق إلى الفريق الأكثر انضباطًا تكتيكيًا في أوروبا.
تعليقات
إرسال تعليق